فصل: سنة تسع عشرة وسبعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وفي

 سنة تسع عشرة وسبعمائة

استجد السلطان القيام فوق الكرسي للأمير جمال الدين آقوش الأشرفي نائب الكرك الذي أفرج عنه السلطان في السنة الماضية وكذلك للأمير بكتمر البوبكري السلاح دار فكانا إذا دخلا عليه قام لهما وكان آقوش نائب الكرك يتقدم على البوبكري عند تقبيل يد السلطان فعتب الأمراء على البوبكري في ذلك فسأل البوبكري السلطان عن تقديم نائب الكرك عليه فقال‏:‏ لأنه أكبر منك في المنزلة فاستغرب الأمراء ذلك وكشفوا عنه فوجدوا نائب الكرك تأمر في أيام الملك المنصور قلاوون إمرة عشرة وجعله أستادار ابنه الأشرف خليل في سنة خمس وثمانين وستمائة ووجدوا البوبكري تأمر في سنة تسعين وستمائة فسكتوا الأمراء عند ذلك وعلموا أن السلطان يسير على القواعد القديمة وأنه أعرف منهم بمنازل الأمراء وغيرها‏.‏

وفيها اهتم السلطان لحركة السفر إلى الحجاز الشريف وتقدم كريم الدين الكبير ناظر الخواص إلى الإسكندرية لعمل الثياب الحرير برسم كسوة الكعبة وبينا السلطان في ذلك وصلت تقدمة الأمير تنكز نائب الشام وفيها الخيل والهجن بأكوار ذهب وسلاسل ذهب وفضة ومقاود حرير وكانت عدة كثيرة يطول الشرح في ذكرها‏.‏

ثم أيضًا وصلت تقدمة الملك المؤيد عماد الدين إسماعيل صاحب حماة وهي أيضًا تشتمل على أشياء كثيرة‏.‏

وتولى كريم الدين تجهيز ما يحتاج إليه السلطان من كل شيء حتى إنه عمل له عدة قدور من ذهب وفضة ونحاس تحمل على البخاتي ويطبخ فيها للسلطان وأحضر الخولة لعمل مباقل ورياحين في أحواض خشب تحمل على الجمال فتصير مزروعة فيها وتسقى بالماء ويحصد منها ما تدعو الحاجة إليه أولًا بأول فتهيأ من البقل والكراث والكسبرة والنعناع وأنواع المشمومات والريحان شيء كثير ورتب لها الخولة لتعهدها بالسقية وغيرها وجهزت الأفران وصناع الكماج والجبن المقلي وغيره‏.‏

وكتبت أوراق عليق السلطان والأمراء الذين معه وعدتهم اثنان وخمسون أميرًا لكل أمير ما بين مائة عليقة في كل يوم إلى خمسين عليقة إلى عشرين عليقة وكانت جملة العليق في مدة سفر السلطان ذهابًا وإيابًا مائة ألف إردب وثلاثين ألف إردب من الشعير وحمل تنكز من دمشق خمسمائة حمل على الجمال ما بين حلوى وسكر وفواكه ومائة وثمانين حمل حب رمان ولوز ومايحتاج إليه من أصناف الطبخ‏.‏

وجهز كريم الدين الكبير من الإوز ألف طائر ومن الدجاج ثلانة آلاف طائر وأشياء كثيرة من ذلك‏.‏

وعين السلطان للإقامة بديار مصر الأمير أرغون الناصري النائب ومعه الأمير أيتمش المحمدي وغيره‏.‏

ثم قدم الملك المؤيد صاحب حماة إلى القاهرة ليتوجه في ركاب السلطان إلى الحجاز‏.‏

وسافر المحمل على العادة في ثامن عشر شوالى مع الأمير سيف الدين طرجي أمير مجلس‏.‏

وركب السلطان من قلعة الجبل في أول ذي القعدة وسار من بركة الحجاج في سادس ذي القعدة وصحبته المؤيد صاحب حماة والأمراء وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة الشافعي وغالب أرباب الدولة‏.‏

وسار حتى وصل مكة المشرفة بتواضع زائد بحيث إن السلطان قال للأمير جنكلي بن البابا‏:‏ لا زلت أعظم نفسي إلى أن رأيت الكعبة المشرفة وذكرت بوس الناس الأرض لي فدخلت في قلبي مهابة عظيمة ما زالت عني حتى سجدت لله تعالى‏.‏

وكان السلطان لما دخل مكة حسن له قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة أن يطوف بالبيت راكبًا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الملك الناصر‏:‏ ومن أنا حتى أتشبه بالنبي والله لاطفت إلا كما يطوف الناس‏.‏

ومنع الحجاب من منع الناس أن يطوفوا معه وصاروا يزاحمونه وهو يزاحمهم كواحد منهم في مدة طوافه في تقبيله الحجر الأسود‏.‏

قلت‏:‏ وهذه حجة الملك الناصر الثانية‏.‏

ولما كان الملك الناصر بمكة بلغه أن جماعة من المغل ممن حج في هذه السنة قد اختفى خوفًا منه فأحضرهم السلطان وأنعم عليهم وبالغ في إكرامهم‏.‏

وغسل السلطان الكعبة بيده وصار يأخذ أزر إحرام الحجاج ويغسلها لهم في داخل البيت بنفسه ثم يدفعها لهم وكثر الدعاء له‏.‏

وأبطل سائر المكوس من الحرمين الشريفين وعوض أميري مكة والمدينة عنها إقطاعات بمصر والشام وأحسن إلى أهل الحرمين وأكثر من وفي هذه السنة مهد السلطان ماكان في عقبة أيلة من الصخور ووسع طريقها حتى أمكن سلوكها بغير مشقة وأنفق على ذلك جملًا مستكثرة‏.‏

واتفق لكريم الدين الكبير ناظر الخاصة أمر غريب بمكة فيه موعظة وهو أن السلطان بالغ في تواضعه في هذه الحجة للغاية فلما أخرجت الكسوة لتعمل على البيت صعد كريم الدن المذكور إلى أعلى الكعبة بعد ما صلى بجوفها ثم جلس على العتبة ينظر في الخياطين فأنكر الناس استعلاءه على الطائفين فبعث الله عليه وهو جالس نعاسًا سقط منه على رأسه من علو البيت فلو لم يتداركوه من تحته لهلك‏.‏

وصرخ الناس في الطواف صرخة عظيمة تعجبًا من ظهور قدرة الله تعالى في إذلال المتكبرين وانقطع ظفر كريم الدين وعلم بذنبه فتصدق بمال جزيل‏.‏

وفي هذه السفرة أيضًا أجرى السلطان الماء لخليص وكان انقطع من مدة سنين‏.‏

ولقي السلطان في هذه السفرة جميع العربان وملوكها من بني مهدي وأمرائها وشطي بن عبية وأخاه عسافًا وأولاده وأشراف مكة من الأمراء وغيرهم وأشراف المدينة وينبع وغيرهم وعرب خليص وبني لام وعربان حوران وأولاد مهنا‏:‏ موسى وسليمان وفياضًا وأحمد وغيرهم ولم يتفق اجتماعهم عند ملك غيره وأنعم عليهم بإقطاعات وصلات وتدللوا على السلطان حتى إن موسى بن مهنا كان له ولد صغير فقام في بعض الأيام ومد يده إلى لحية السلطان وقال له‏:‏ يا أبا علي بحياة هذه اللحية ومسك منها شعرات إلا ما أعطيتني الضيعة الفلانية إنعامًا علي فصرخ فيه فخر الدين ناظر الجيش وقال له لاشل يدك قطع الله يدك تمد يدك إلى السلطان فتبسم له السلطان وقال‏:‏ هذه عادة العرب إذا قصدوا كبيرًا في شيء فيكون عظمته عندهم مسك لحيته يريدون أنهم قد استجاروا بذلك الشيء فهو سنة عندهم فغضب الفخر ناظر الجيش وقام وهو يقول‏:‏ إن هؤلاء مناحيس وسنتهم أنحس‏.‏

ثم عاد السلطان بعد أن قضى مناسكه إلى جهة الديار المصرية في يوم السبت ثاني عشر المحرم سنة عشرين وسبعمائة بعد أن خرج الأمراء إلى لقائه ببركة الحجاج وركب السلطان بعد انقضاء السماط في موكب عظيم وقد خرج الناس لرؤيته وسار حتى طلع القلعة فكان يومًا مشهودًا وزينت القاهرة ومصر زينة عظيمة لقدومه وكثرت التهاني وأرباب الملاهي من الطبول والزمور‏.‏

وجلس السلطان على تخت الملك وخلع على الأمراء وألبس كريم الدين الكبير أطلسين ولم يتفق ذلك لمتعمم قبله‏.‏

ثم خلع السلطان على الملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة وأركبه بشعار السلطنة من المدرسة المنصورية ببين القصرين وحمل وراءه الأمير قجليس السلاح دار السلاح وحمل الأمير ألجاي الدوادار الدواة وركب معه الأمير بيبرس الأحمدي أمير جاندار والأمير طيبرس وسار بالغاشية والعصائب وسائر دست السلطنة وهم بالخلع معه إلى أن طلع إلى القلعة فكان عدة تشاريف من سار معه مائة وثلاثين تشريفًا‏:‏ فيها ثلاثة عشر أطلس والبقية كنجي وعمل الدار وطرد وحش وقبل الأرض وجلس على ميمنة السلطان ولقبه السلطان بالملك المؤيد وسافر من يومه بعد ما جهزه السلطان بسائر ما يحتاج إليه‏.‏

ثم أفرج السلطان عن جماعة من الأمراء المحبوسين وعدتهم أزيد من عشرة نفر‏.‏

ثم ندب السلطان الأمير بيبرس الأحمدي الحاجب وطائفة من الأجناد إلى مكة ليقيم بها بدل الأمير آق سنقر شاد العمائر خوفًا من هجوم الشريف حميضة على مكة‏.‏

وفي هذه السنة أبطل السلطان مكس الملح بالقاهرة وأعمالها فأبيع الإردب الملح بثلاثة دراهم بعد ما كان بعشرة دراهم فإنه كتب إلى العمال ألا يمنع أحد من شيل الملح من الملاحات وأبيحت لكل أحد فبادر الناس إليها وجلبوا الملح‏.‏

ثم أذن السلطان للأمير أرغون النائب في الحج فحج وعاد في سنة إحدى وعشرين بعد أن مشى من مكة إلى عرفات على قدميه تواضعًا‏.‏

ثم أخرج السلطان الأمير شرف الدين حسين بن جندر إلى الشام على إقطاع الأمير جوبان ونقل جوبان على إمرة بديار مصر‏.‏

وسبب نفي الأمير حسين أنه لما أنشأ جامعه المعروف بجامع أمير حسين بجوار داره على الخليج في البر الغربي بحكر جوهر النوبي ثم عمر القنطرة وأراد أن يفتح في سور القاهرة خوخة تنتهي إلى حارة الوزيرية فأذن له السلطان في فتحها فخرق بابًا كبيرًا وعمل عليه رنكه فسعى به علم الدين سنجر الخياط متولي القاهرة وعظم الأمر على السلطان في فتح هذا الباب المذكور فرسم بنفيه في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة المذكورة‏.‏

وفيها وقع الحريق بالقاهرة ومصر فابتدأ من يوم السبت خامس عشر جمادى الأولى وتواتر إلى سلخه‏.‏

وكان مما احترق فيه الربع الذي بالشوايين من أوقاف البيمارستان المنصوري واجتهد الأمراء في طفيه فوقع الحريق في حارة الديلم قريبًا من دار كريم الدين الكبير ودخل الليل واشتد هبوب الرياح فسرت النار في عدة أماكن وبعث كريم الدين ابنه عبد الله للسلطان فعرفه فبعث السلطان لإطفائه عدة كثيرة من الأمراء والمماليك خوفًا على الحواصل السلطانية فتعاظم الأمر وعجز آق سنقر شاد العمائر والنار تعمل طول نهار الأحد وخرج النساء مسيبات وبات الناس على ذلك وأصبحوا يوم الاثنين والنار تلف ما تمر به والهدم واقع في الدور المجاورة للحريق‏.‏

وخرج أمر الحريق عن القدرة البشرية وخرجت ريح عاصفة ألقت النخيل وغرقت المراكب ونشرت النار فما شك الناس في أن القيامة قد قامت وعظم شرر النيران وصارت تسقط الأماكن البعيدة فخرج الناس وتعلقوا بالموادن واجتمعوا في الجوامع والزوايا وضجوا بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى‏.‏

وصعد السلطان إلى أعلى القصر فهاله ما شاهده‏.‏

وأصبح الناس في يوم الثلاثاء في أسوأ حال فنزل أرغون النائب بسائر الأمراء وجميع من في القلعة وجمع أهل القاهرة ونقل الماء على جمال الأمراء ثم لحقه الأمير بكتمر الساقي بالجمال السلطانية ومنعت أبواب القاهرة أن يخرج منها سقاء ونقلت المياه من المدارس والحمامات والآبار وجمعت سائر البنائين والنخارين فهدمت الدور من أسفلها والنار تحرق في سقوفها‏.‏

وعمل الأمراء الألوف وعدتهم أربعة وعشرون أميرًا بأنفسهم في طفي الحريق ومعهم مضافوهم من أمراء الطبلخاناه والعشرات وتناولوا الماء بالقرب من السقائين بحيث صار من باب زويلة إلى حارة الروم بحرًا فكان يومًا لم ير أشنع منه بحيث إنه لم يبق أحد إلا وهو في شغل ووقف الأمير أرغون النائب وبكتمر الساقي حتى نقلت الحواصل السلطانية من بيت كريم الدين ناظر الخاص إلى بيت ولده علم الدين عبد الله بدرب الرصاصي وهدم لأجل نقل الحواصل سبع عشرة دارًا وخمدت النار وعاد الأمراء‏.‏

فوقع الصياح في ليلة الأربعاء بحريق آخر وقع بربع الملك الظاهر بيبرس خارج باب زويلة وبقيسارية الفقراء وهبت الرياح مع ذلك‏.‏

فركبت الحجاب والوالي فعملوا في طفيها عملًا إلى بعد ظهر يوم الأربعاء وهدموا دورًا كثيرة فما كاد أن تفرغ الأمراء من إطفاء ربع الملك الظاهر حتى وقعت النار في بيت الأمير سلار بخط بين القصرين وإذا بالنار ابتدأت من أصل البادهنج وكان ارتفاعه من الأرض زيادة على مائة ذراع بذراع العمل ورأوا فيه نفطًا قد عمل فيه فتيلة كبيرة فما زالوا بالنار حتى أطفئت من غير أن يكون لها أثر كبير‏.‏

فنودي أن يعمل بجانب كل حانوت بالقاهرة ومصر زير أو دن كبير ملآن ماء‏.‏

ثم في ليلة الخميس وقع الحريق بحارة الروم وبموضع آخر خارج القاهرة وتمادى الحال على ذلك لا يخلو وقوع الحريق بالقاهرة ومصر فشاع بين الناس أن الحريق من جهة النصارى لما أنكاهم هدم الكنائس‏.‏

ثم وقع الحريق في عدة مساجد وجوامع ودور إلى أن كان ليلة الجمعة حادي عشرينه قبض على راهبين خرجا من المدرسة الكهارية بالقاهرة وقد أرميا النار بها فأحضروا إلى الأمير علم الدين سنجر الخازن والي القاهرة وشم منهما رائحة الكبريت والزيت فأحضرهما من الغد إلى السلطان فأمر بعقوبتهما حتى يعترفا‏.‏

فلما نزل الأمير علم الدين بهما وجد العامة قد قبضت على نصراني وهو خارج والأثر في يديه من جامع الظاهر بالحسينية ومعه كعكة خرق وبها نفط وقطران وقد وضعها بجانب المنبر فلما فاح الدخان أنكروا ووجدوا النصراني وهو خارج والأثر في يديه كما ذكر فعوقب قبل صاحبيه‏.‏

فاعترف أن جماعة من النصارى قد اجتمعوا وعملوا النفط وفرقوه على جماعة ليدوروا به على المواضع‏.‏

ثم عاقب الأمير علم الدين الراهبين فاعترفا بأنهما من دير البغل وأنهما اللذان أحرقا سائر الأماكن نكاية للمسلمين بسبب هدم الكنائس وكان أمرهم أنهم عملوا النفط وحشوه في فتائل وعملوها في سهام ورموا بها فكانت الفتيلة إذا خرجت من السهم تقع على مسافة مائة ذراع أو أكثر‏.‏

فأمر السلطان كريم الدين الكبير بطلب البترك فطلبه وبالغ في إكرامه على عادة القبطية وأعلمه كريم الدين بما وقع فبكى وقال‏:‏ هؤلاء سفهاء قد عملوا كما فعل سفهاؤكم بالكنائس من غير إذن السلطان والحكم للسلطان ثم ركب بغلة وتوجه إلى حال سبيله فكادت الناس أن تقتله لولا حماية المماليك له‏.‏

ثم ركب كريم الدين من الغد إلى القلعة فصاحت عليه العوام وأسمعته ما يكره‏.‏

فلما طلع كريم الدين عرف السلطان بمقالة البترك واعتنى به وكان النصارى أقروا على أربعة عشر راهبًا بدير البغل فقبض عليهم وعملت حفيرة كبيرة بشارع الصليبة وأحرق فيها أربعة منهم في يوم الجمعة‏.‏

واشتدت العامة عند ذلك على النصارى وأهانوهم وسلبوهم ثيابهم وألقوهم عن الدواب إلى الأرض‏.‏

وركب السلطان إلى الميدان في يوم السبت وقد اجتمع عالم عظيم وصاحوا‏:‏ نصر الله الإسلام انصر دين محمد بن عبد الله‏.‏

فلما استقر السلطان بالميدان أحضر والي القاهرة نصرانيين قد قبض عليهما فأحرقا خارج الميدان‏.‏

وخرج كريم الدين من الميدان وعليه التشريف فصاحت به العامة‏:‏ كم تحامي للنصارى وسبوه ورموه بالحجارة فعاد إلى الميدان فشق ذلك على السلطان واستشار السلطان الأمراء في أمر العامة فأشار عليه الأمير جمال الدين آقوش نائب الكرك بعزل الكتاب النصارى فإن الناس قد أبغضوهم فلم يرضه ذلك وتقدم السلطان إلى ألماس الحاجب أن يخرج في أربعة أمراء ويضع السيف في العامة حتى ينتهي إلى باب زويلة ويمر كذلك إلى باب النصر ولا يرفع السيف عن أحدث وأمر والي القاهرة أن يتوجه إلى باب اللوق وباب البحر ويقبض على من وجده من العامة ويحمله إلى القلعة وعين لذلك أيضًا عدة مماليك فخرجوا من الميدان فبادر كريم الدين وسأل السلطان العفو فقبل شفاعته ورسم بالقبض على العامة من غير قتلهم وكان الخبر بلغ العامة ففرت العامة حتى الغلمان وصار الأمير لا يجد من يركبه وانتشر ذلك فغلقت الأسواق بالقاهرة فكانت ساعة لم يمر بالناس أبشع منها وهي من هفوات الملك الناصر‏.‏

ومر الوالي بباب اللوق وبولاق وباب البحر وقبض على كثير من الكلابزية وأراذل العامة بحيث إنه صار كل من رآه أخذه وجفل الناس من الخوف وعدوا في المراكب إلى بر الجيزة‏.‏

فلما عاد السلطان إلى القلعة لم يجد أحدًا في طريقه وأحضر إليه الوالي من قبض عليه وهم نحو المائتين فرسم السلطان جماعة منهم للصلب وأفرد جماعة للشنق وجماعة للتوسيط وجماعة لقطع الأيدي فصاحوا‏:‏ يا خوند ما يحل لك ما نحن الغرماء وتباكوا‏.‏

فرق لهم بكتمر الساقي وقام ومعه الأمراء وما زالوا به حتى أمر بصلب جماعة منهم على الخشب من باب زويلة إلى قلعة الجبل وأن يعلقوا بأيديهم ففعل بهم ذلك وأصبحوا يوم الأحد صفًا واحدًا من باب زويلة إلى تحت القلعة فتوجع لهم الناس وكان منهم كثير من بياض الناس ولم تفتح القاهرة وخاف كريم الدين على نفسه ولم يسلك من باب زويلة وطلع القلعة من خارج السور وإذا بالسلطان قد قدم الكلابزية وأخذ في قطع أيديهم فكشف كريم الدين رأسه وقئل الأرض وباس رجل السلطان وسأل السلطان العفو عن هؤلاء فأجابه بمساعدة الأمير بكتمر وأمر بهم فقيدوا وأخرجوا للعمل في الحفر بالجيزة ومات ممن قطع يده رجلان وأمر بحط من علق على الخشب‏.‏

وفي الحال وقع الصوت بحريق أماكن بجوار‏.‏

مع أحمد بن طولون وبوقوع الحريق في القلعة وفي بيت بيبرس الأحمدي بحارة بهاء الدين قراقوش وبفندق طرنطاي خارج باب البحر فدهش السلطان وكان هذا الفندق برسم تجار الزيت الوارد من الشام فعمت النار كل مات حتى العمد الرخام وكانت ستة عشر عمودًا طول كل عمود ست أذرع بالعمل ودوره نحو ذراعين فصارت كلها جيرًا وتلف فيه لتاجر واحد ماقيمته تسعون ألف درهم وقبض فيه على ثلاثة نصارى ومعهم فتائل النفط آعترفوا أنهم فعلوا ذلك‏.‏

فلما كان يوم السبت تاسع عشرين جمادى الأولى المذكور ركب السطان إلى الميدان فوجد نحو العشرين ألفًا من العامة في طريقه قد صبغوا خرقًا بالأزرق والأصفر وعملوا في الأزرق صلبانًا بيضاء ورفعوها على الجريدة وصاحوا صيحة واحدة‏:‏ لا دين إلا دين الإسلام نصر الله دين محمد بن عبد الله يا ملك الناصر يا سلطان الإسلام أنصرنا على أهل الكفر ولا تنصر النصارى‏.‏

فخشع السلطان والأمراء وتوجه إلى الميدان وقد آشتغل سره وركبت العامة أوسوار الميدان ورفعوا الخرق الزرق وهم يصيحون‏:‏ ‏"‏ لا دين إلا دين الإسلام ‏"‏‏.‏

فخاف السلطان الفتنة ورجع إلى مداراتهم وتقدم إلى الحاجب أن يخرج فينادي‏:‏ من وجد نصرانيًا فدمه وماله حلال فلما سمعوا النداء صرخوا صوتًا واحدًا‏:‏ نصرك الله فارتجت الأرض‏.‏

ثم نودي عقيب ذلك بالقاهرة ومصر‏:‏ من وجد نصرانيًا بعمامة بيضاء حل دمه ‏"‏ وكتب مرسوم بلبس النصارى العمائم الزرق وألا يركبوا فرسًا ولا بغلًا ولا يدخلوا الحمام إلا بجرس في أعناقهم ولا يتزيوا بزي المسلمين هم ونساؤهم وأولادهم ورسم للأمراء بإخراج النصارى من دواوينهم ودواوين السلطان وكتب بذلك إلى سائر الأعمال‏.‏

وغلقت الكنائس والأديرة وتجرأت العامة على النصارى حيث وجدوهم ضربوهم وعروهم فلم يتجاسر نصراني أن يخرج من بيته ولم يتحدث في أمر اليهود فكان النصراني إذا عن له أمر يتزيا بزي اليهود فيلبس عمامة صفراء يكتريها من يهودي ليخرج في حاجته‏.‏

وآتفق أن بعض كتاب النصارى حضر إلى يهودي له عليه مبلغ كبير ليأخذ منه شيئًا فأمسكه اليهودي وصاح‏:‏ أنا بالله وبالمسلمين فخاف النصراني وقال له‏:‏ ‏"‏ أبرأت ذمتك وكتب له خطه بالبراءة وفر‏.‏

واحتاج عدة من النصارى إلى إظهارهم الإسلام فأسلم السني ابن ست بهجة الكاتب وغيره واعترف بعضهم على راهب دير الخندق أنه كان ينفق المال في عمل النفط للحريق ومعه أربعة فأخذوا وسمروا‏.‏

وانبسطت عند ذلك السنة الأمراء في كريم الدين أكرم الصغير وحصلت مفاوضة بين الأمير قطلوبغا الفخري وبين بكتمر الساقي بسبب كريم الدين الكبير لأن بكتمر كان يعتني به وبالدواوين وكان الفخري يضع منه ومنهم‏.‏

قلت‏:‏ ولأجل هذا راح كريم الدين الكبير من الدنيا على أقبح وجه وأخرب الله دياره بعد ذلك بقليل‏.‏

واستمر الفخري على رتبته بعد سنين عديدة‏.‏

قال‏:‏ وصار مع كل من الأميرين جماعة وبلغ السلطان ذلك وأن الأمراء تترقب وقوع فتنة وصار السلطان إذا ركب إلى الميدان لا يرى في طريقه أحدًا من العامة لكثرة خوفهم أن يبطش السلطان بهم فلم يعجبه ذلك ونادى بخروج الناس للفرجة على الميدان ولهم الأمان والاطمئنان فخرجوا على عادتهم‏.‏

ثم لما كانت ليلة الأحد ثاني عشريه وقع الحريق بالقاهرة واشتد أمره إلى أن طفىء‏.‏

وسافر كريم الدين الكبير إلى الإسكندرية وشدد على النصارى في لبسهم وركوبهم حتى يتقرب بذلك إلى خواطر العامة‏.‏

ثم تنكرت المماليك السلطانية على كريم الدين الكبير لتأخر جوامكهم شهرين وتجمعوا يوم الخميس ثامن عشرين صفر قبل الظهر ووقفوا بباب القصر‏.‏

وكان السلطان في الحريم فلما بلغه ذلك خشي منهم وبعث إليهم بكتمر الساقي فلم يلتفتوا إليه فخرج السلطان إليهم وقد صاروا نحو ألف وخمسمائة فعندما رآهم السلطان سبهم وأهانهم وأخذ العصا من مقدم المماليك وضرب بها رؤوسهم وأكتافهم وصاح فيهم‏:‏ اطلعوا مكانكم فعادوا بأجمعهم إلى الطباق وعدت سلامة السلطان في هذه الواقعة من العجائب فإنه خرج إليهم في جماعة يسيرة من الخدام وهم غوغاء لارأس لهم ولاعقل ومعهم السلاح‏.‏

انتهى‏.‏

ثم أمر السلطان للنائب بعرضهم أعني المماليك فعرضهم في يوم السبت آخر صفر وأخرج منهم مائة وثمانين إلى البلاد الشامية فرقهم على الأمراء وأخرج بعد ذلك جماعة منهم من الطباق إلى خرائب التتار بقلعة الجبل وضرب بعضهم بالمقارع هو وغلامه لكونه شرب الخمر ضربًا قلت‏:‏ لا شك يداه هذا وأبيك العمل ثم أنقص السلطان جوامك من بقي من مماليك الطباق ثم أخرج جماعة من خذام الطباق الطواشية أعني مقدمي الطباق وقطع جوامكهم وأنزلهم من القلعة لكونهم فرطوا في تربية المماليك‏.‏

ثم غير السلطان موضع دار العدل التي أنشأها الملك الظاهر بيبرس وهدمها وجعلها موضع الطبلخاناه الآن وذلك قي شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة‏.‏

ولما هدم الموضع المذكور وجد في أساسه أربعة قبور فنبشت فوجد بها رمم أناس طوال عراض وأحدها مغطاة بملاءة دبيقي ملونة إذا مس منها شيء تطاير لطول مكثه وعليهم عدة القتال وبهم جراحات وفي وجه أحدهم ضربة سيف بين عينيه عليها قطن فعندما رفع القطن نبع الدم من تحته وشوهد الجرح كأنه جديد فنقلوا إلى بين العروستين وجعل عليهم مسجد‏.‏

وفي شعبان زوج الملك الناصر ابنته للأمير أبي بكر بن أرغون النائب الناصري وتولى العقد قاضي القضاة شمس الدين محمد بن الحريري الحنفي على أربعة آلاف دينار‏.‏

ثم قدم الملك المؤيد صاحب حماة على السلطان بالديار المصرية وتوجه في خدمة الملك الناصر إلى قوص بالوجه القبلي للصيد‏.‏

وعاد السلطان من قوص إلى جهة القاهرة في أول محرم سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة الموافق لرابع عشر طوبة ونزل بالجيزة وخلع على الملك المؤيد خلعة السفر‏.‏

ثم استدعى السلطان الحريم السلطاني إلى بر الجيزة فطرد سائر الناس من الطرقات وغلقت الحوانيت ونزلت خوند طغاي زوجة السلطان وأم ولده آنوك والأمير أيدغمش الأمير آخور كبير ماش يقود عنان فرسها بيده وحولها سائر الخدام مشاة منذ ركبت من القلعة إلى أن وصلت إلى النيل فعدت في الحراقة‏.‏

ثم استدعى السلطان الأمير بكتمر الساقي وغيره من الأمراء الخاصكية وحريمهم وأقام السلطان بالجيزة أيامًا إلى أن عاد إلى القلعة في خامس عشره وقد توعك كريم الدين الكبير‏.‏

ثم قدم الحاج في سادس عشرين المحرم‏.‏

ثم عوفي كريم الدين فخلع السلطان عليه خلعة أطلس بطرز زركش وكلفتاة زركش وحياصة ذهب فاستعظم الناس ذلك وبالغ السلطان في الإنعام‏.‏

على الأمراء الحكماء‏.‏

ثم بعد أيام قبض السلطان على كريم الدين المذكور في يوم الخميس رابع عشر شهر ربيع الآخر وهو كريم الدين عبد الكريم ابن المعلم هبة الله بن السديد ناظر الخواص ووكيل السلطان وعظيم دولته وأحيط بداره وصودر فوجد له شيء كثير جدًا ولازال في المصادرة إلى أن أفرج عنه في يوم الأربعاء رابع عشرين جمادى الآخرة وألزمه السلطان بإقامته بتربته بالقرافة‏.‏

ثم إن السلطان أخرجه إلى الشوبك ثم نقله إلى القدس ثم طلب إلى مصر وجهز إلى أسوان وبعد قليل أصبح مشنوقًا بعمامته يعني أنه شنق نفسه وليس الأمر كذلك وقيل إنه لما أحس بقتله صلى ركعتين وقال‏:‏ هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء وكان الناس يقولون‏:‏ ما عمل أحد مع أحد ما عمله الملك الناصر مع كريم الدين‏:‏ أعطاه الدنيا والآخرة ومعنى هذا أنه كان حكمه في الدولة ثم قتله والمقتول ظلمًا في الجنة‏.‏

وأصل كريم الدين هذا كان من كتبة النصارى ثم أسلم كهلًا في أيام بيبرس الجاشنكير وكان كاتبه وكان الجاشنكير لا يصرف على الملك الناصر إلا بقلم كريم الدين وكان الناصر إذ ذاك تحت حجر الجاشنكير ولما قتل بيبرس الجاشنكير اختفى كريم الدين هذا مدة ثم طلع مع الأمير طغاي الكبير فأوقفه طغاي ثم دخل إلى السلطان وهو يضحك وقال له‏:‏ إن حضر كريم الدين أيش تعطيني ففرح السلطان وقال‏:‏ أعندك هو أحضره فخرج وأحضره وقال له‏:‏ مهما قال لك قل له‏:‏ السمع والطاعة ودعني أدبر أمرك فلما مثل بين يدي السلطان قال له بعد أن استشاط غضبًا‏:‏ اخرج واحمل ألف ألف دينار فقال‏:‏ نعم وأراد الخروج فقال له السلطان‏:‏ لا كثير احمل خمسمائة ألف دينارًا فقال له كما قال أولًا ولازال السلطان ينقصه من نفسه إلى أن ألزمه بمائة ألف دينار فلما خرج على أن يحمل ذلك قال له طغاي المذكور‏:‏ ‏"‏ لا تصقع ذقنك وتحضر الجميع الآن ولكن هات منها عشرة آلاف دينار ففعل ذلك ودخل بها إلى السلطان وصار يأتيه بالنقحة من ثلاثة آلاف دينار إلى ما دونها ولما بقي عليه بعضها أخذ طغاي والقاضي فخر الدين ناظر الجيش في إصلاح أمره ولازال بالسلطان حتى أنعم عليه بما بقي واستخدمه ناظر الخاص وهو أول من باشر هذه الوظيفة بتجمل ولم تكن تعرف أولًا ثم تقدم عند السلطان حتى صار أعز الناس عليه وحج مع خوند طغاي زوجة السلطان بتجمل زائد ذكرناه في ترجمته في المنهل الصافي وكان يخدم كل أحد من الأمراء الكبار المشايخ والخاصكية وأرباب الوظائف والجمدارية الصغار وكل أحد حتى الأوجاقية وكان يركب في خدمته سبعون مملوكًا بكنابيش عمل الدار وطرز ذهب والأمراء تركب في خدمته ومن جملة ما ناله من السعادة والوجاهة عند الملك الناصر أنه مرة طلبه السلطان إلى الدور فدخل عليه وبقيت خازندارة خوند طغاي تروح إليه وتجيء مرات فيما تطلبه خوند طغاي من كريم الدين هذا وطال الأمر فقال السلطان له‏:‏ يا قاضي أيش حاجة لهذا التطويل بنتك ما تختبىء منك ادخل إليها أبصر ما تريده افعله لها فقام كريم الدين دخل إليها وقال لها السلطان‏:‏ أبوك هنا أبصري له ما يأكل فأخرجت له طعامًا وقام السلطان إلى كرمة في الدار وقطع منها عنبًا وأحضره بيده وهو ينفخه من الغبار وقال‏:‏ يا قاضي كل من عنب دارنا‏.‏

وهذا شيء لم يقع لأحد غيره مثله مع الملك الناصر وأشياء كثيرة من ذلك‏.‏

وكان حسن الإسلام كريم النفس قيل إنه كان في كل قليل يحاسب صيرفيه فيجد في الوصولات وصولات زور‏.‏

ثم بعد حين وقع بالمزور فقال له‏:‏ ما حملك على هذا فقال‏:‏ الحاجة فأطلقه وقال له‏:‏ كلما احتجت إلى شيء اكتب به خطك على عادتك على هذا الصيرفي ولكن ارفق فإن علينا كلفًا كثيرة‏.‏

وكان إذا قال‏:‏ نعم كانت نعم وإذا قال‏:‏ لا فهي لا‏.‏

ولما قبض السلطان عليه خلع على الأمير آقوش نائب الكرك باستقراره في نظر البيمارستان المنصوري عوضًا عن كريم الدين المذكور‏.‏

فوجد آقوش حاصله أربعمائة ألف درهم‏.‏

ثم أمر السلطان فنودي في يوم الأربعاء سادس المحرهم سنة خمس وعشرين‏.‏

وسبعمائة على الفلوس أن يتعامل الناس بها بالرطل على أن كل رطل منها بدرهمين ورسم بضرب فلوس زنة الفلس منها درهم وثمن فضرب منها نحو مائتي ألف درهم فرقت على الناس‏.‏

ثم رسم السلطان بأن يكتب له كل يوم أوراق بالحاصل من تعلقات السلطنة والمصروف منها في كل يوم فصارت تعرض عليه كل يوم ويباشر ذلك بنفسه فتوفر مال كثير وشق ذلك على الدواوين‏.‏

ثم سافر السلطان إلى الوجه القبلي للصيد وعاد في ثالث عشر المحرم سنة خمس وعشرين وسبعمائة‏.‏

وفي هذه السنة قدم على الملك الناصر رسل صاحب اليمن ورسل صاحب اسطنبول ورسل الأشكري ورسل متملك سيس ورسل القان بوسعيد ورسل صاحب ماردين ورسل ابن قرمان ورسل متملك النوبة وكلهم يبذلون الطاعة‏.‏

وسأل رسل صاحب اليمن الملك المجاهد إنجاده بعسكر من مصر وأكثر من ترغيب السلطان في المال الذي باليمن فرسم السلطان بتجهيز العسكر إلى اليمن صحبة الأمير بيبرس الحاجب ومعه من أمراء الطبلخاناه خمسة وهم‏:‏ آقول الحاجب وقجماس الجوكندار وبلبان الصرخدي وبكتمر العلائي الأستادار وألجاي الناصري الساقي ومن العشرات‏:‏ عز الدين أيدمر الكوندكي وشمس الدين إبراهيم التركماني وأربعه من مقدمي الحلقة و هؤلاء العسكر لهم مقدمة أخرى كالجاليش عليها الأمير سيف الدين طينال الحاجب ومعه خمسة من أمراء الطبلخاناه وهم‏:‏ الأمير ططر الناصري وعلاء الدين علي بن طغريل الإيغاني وجرباش أمير علم وأيبك الكوندكي وكوكاي طاز وأربعة من مقدمي الحلقة ومن العشرات بلبان الدواداري وطرنطاي الإسماعيلي والي باب القلعة ومن مماليك السلطان ثلاثمائة فارس ومن أجناد الحلقة تتمة الألف فارس وفرقت فيهم أوراق السفر وكتب بحضور العربان من الشرقية والغربية لأجل الجمال‏.‏

ثم خرج السلطان إلى سرياقوس على العادة في كل سنة وقبض على الأمير بكتمر الحاجب بها وعلى أمير آخر في يوم الخميس ثامن شهر ربيع الأول‏.‏

ثم قدم على السلطان الأمير تنكز ثم أنفق السلطان على الأمراء المتوجهين إلى اليمن فقط فحمل إلى بيبرس ألف دينار وإلى طينال ثمانمائة دينار ولكل أمير طبلخاناه عشرة آلاف درهم ولكل من العشرات مبلغ ألفي درهم ولمقدمي الحلقة ألف درهم‏.‏

وحضر العربان‏.‏

وباعوا الأجناد موجودهم واكتروا الجمال فانحط سعر الدينار من خمسة وعشرين درهمًا إلى عشرين درهمًا من كثرة ماباعوا من الحلل والمصاغ‏.‏

ثم برزوا من القاهرة إلى بركة الحاج في يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وسافروا من البركة في يوم الخميس ثاني عشره‏.‏

ثم خرج السلطان إلى سرياقوس ومعه عدة من المهندسين وعين موضعًا على نحو فرسخ من ناحية سرياقوس ليبنى فيه خانقاه فيها مائة خلوة لمائة صوفي وبجانبها جامع تقام فيه الخطبة ومكان برسم ضيافة الواردين وحمام ومطبخ وندب آق سنقر شاد العمائر لجمع الصناع‏.‏

ورتب أيضًا قصور سرياقوس برسم الأمراء والخاصكية وعاد فوقع الاهتمام في العمل حتى كملت في أربعين يومًا‏.‏

ثم اقتضى رأي السلطان حفر خليج خارج القاهرة ينتهي إلى سرياقوس ويرتب عليه السواقي والزراعات وتسير فيه المراكب في أيام النيل بالغلال وغيرها إلى القصور بسرياقوس‏.‏

قلت‏:‏ وقد أدركت أنا بواقي هذه القصور التي كانت بسرياقوس وخربت في دولة الملك الأشرف برسباي في حدود سنة ثلاثين وثمانمائة وأخذ الأمير سودون بن عبد الرحمن أنقاضها وبنى بها جامعه الذي بخانقاه سرياقوس فكان ذلك سببًا لمحو آثارها وكانت من محاسن الدنيا‏.‏

انتهى‏.‏